فصل: قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم قال في الفصل الثالث والثلاثين: وفي ذلك الزمان مر يسوع في سبت بالزروع وجاع تلاميذه، فبدؤوا يفركون سنبلًا ويأكلون- وفي لوقا: كان تلاميذه يقطعون السنبل ويفركون بأيديهم ويأكلون- فلما أبصرهم الفريسيون قالوا له: ها هو ذا تلاميذك يعملون ما لا يحل في السبت- وفي لوقا: لماذا تفعلون ما لا يحل أن يفعل في السبوت- فقال لهم: أما قرأتم ما صنع داود لما جاع هو والذين معه! كيف دخل إلى بيت الله وأكل خبز التقدمة الذي لا يحل أكله إلا للكهنة! قال مرقس: وأعطى الذين كانوا مع، ثم قال لهم: السبت من أجل الإنسان كان ولم يخلق الإنسان من أجل السبت؛ قال متى: أوما قرأتم في الناموس أن الكهنة في السبت في الهيكل ينجسون السبت وليس عليهم جناح! وأقول لكم: إن هاهنا أعظم من الهيكل لو كنتم تعلمون ما هو مكتوب، إني أريد الرحمة لا الذبيحة، لِمَ تحكمون على من لا ذنب له! وقال لوقا: ودخل بيت أحد الرؤساء الفريسيين في يوم سبت ليأكل خبزًا وهم كانوا يرصدونه فإذا إنسان به استسقاء، فقال يسوع للكهنة والفريسيين: هل يحل أن يبرأ في السبت؟ فسكتوا فأخذه وأبرأه ثم قال لهم: من منكم يقع ابنه في بئر يوم السبت ولا يصعده في الوقت؟ فلم يقدروا أن يجيبوه عن هذا؛ ثم قال متى: فجاء الفريسيون ليجربوه قائلين: هل يحل للإنسان أن يطلق امرأته لأجل كل كلمة؟ أجاب: أما قرأتم أن الذي خلق في البدء خلقهما ذكرًا وأنثى، من أجل ذلك يترك الإنسان أباه وأمه ويلصق بامرأته، ويكونان كلاهما جسدًا واحدًا، وليس هما اثنين لكن جسد واحد، وما زوجه الله لا يفرقه الإنسان- وقال مرقس: لا يقدر إنسان يفرقه- قالوا له: لماذا أمر موسى أن يعطى كتاب الطلاق وتخلى؟ قال لهم: موسى من أجل قسوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم- وفي مرقس: إنهم سألوه فقال لهم: بماذا أوصاكم موسى؟ قالوا: أمر أن يكتب كتاب الطلاق وتخلى، قال لهم يسوع: من أجل قسوة قلوبكم كتب لكم موسى هذه الوصية، من البدء لم يكن هكذا، وأقول لكم: من طلق امرأته من غير زنا فقد ألجأها إلى الزنا، ومن تزوج مطلقة فقد زنى، وفي إنجيل مرقس: وفي البيت أيضًا سأله التلاميذ عن هذا فقال لهم: من طلق امرأته وتزوج أخرى فقد زنى عليها، وإن هي خلت زوجها وتزوجت آخر فهي زانية؛ وفي لوقا: كل من يطلق امرأته ويتزوج أخرى فهو يزني، وكل من تزوج مطلقة من زوجها فهو يزني؛ قال متى: فقال له التلاميذ: إن كان هكذا علة الرجل مع المرأة فخير له أن لا يتزوج، فقال لهم: ما كل أحد يستطيع هذا الكلام إلا الذين قد أعطوا، الآن خِصيانُ ولدوا من بطون أمهاتهم، وخصيان أخصاهم الناس، وخصيان أخصوا نفوسهم من أجل ملكوت السماوات، ومن استطاع أن يحتمل فليحتمل. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الألوسي:

{وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإنجيل بِمَا أَنزَلَ الله فِيهِ} أمر مبتدأ لهم بأن يحكموا ويعملوا بما فيه من الأمور التي من جملتها دلائل رسالته صلى الله عليه وسلم وما قررته شريعته الشريفة من أحكامه، وأما الأحكام المنسوخة فليس الحكم بها حكمًا بما أنزل الله تعالى بل هو إبطال وتعطيل له إذ هو شاهد بنسخها وانتهاء وقت العمل بها لأن شهادته بصحة ما ينسخها من الشريعة الأحمدية شاهدة بنسخها، وأن أحكامه ما قررته تلك الشريعة التي تشهد بصحتها كما قرره شيخ الإسلام قدس سره واختار كونه أمرًا مبتدأ الجبائي، وقيل: هو حكاية للأمر الوارد عليهم بتقدير فعل معطوف على {ءاتيناه} [المائدة: 46] أي وقلنا ليحكم أهل الإنجيل؛ وحذف القول لدلالة ما قبله عليه كثير في الكلام، ومنه قوله تعالى: {والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ سلام عَلَيْكُمُ} [الرعد: 23، 24] واختار ذلك علي بن عيسى. اهـ.

.قال الفخر:

{وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإنجيل بِمَا أَنزَلَ الله فِيهِ} قرأ حمزة {وَلْيَحْكُمْ} بكسر اللام وفتح الميم، جعل اللام متعلقة بقوله: {وآتيناه الانجيل} [المائدة: 46] لأن إيتاء الإنجيل إنزال ذلك عليه، فكان المعنى آتيناه الإنجيل ليحكم، وأما الباقون فقرؤا بجزم اللام والميم على سبيل الأمر، وفيه وجهان: الأول: أن يكون التقدير: وقلنا ليحكم أهل الإنجيل، فيكون هذا إخبارًا عما فرض عليهم في ذلك الوقت من الحكم بما تضمنه الإنجيل، ثم حذف القول لأن ما قبله من قوله: {وَكَتَبْنَا وَقَفَّيْنَا} يدل عليه، وحذف القول كثير كقوله تعالى: {والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ سلام عَلَيْكُمُ} [الرعد: 23] أي يقولون سلام عليكم، والثاني: أن يكون قوله: {وَلْيَحْكُمْ} ابتداء أمر للنصارى بالحكم في الإنجيل. اهـ.

.قال الألوسي:

وقرأ حمزة {وَلْيَحْكُمْ} بلام الجر ونصب الفعل بأن مضمرة، والمصدر معطوف على {هُدًى وَمَوْعِظَةً} [المائدة: 46] على تقدير كونهما معللين، وأظهرت اللام فيه لاختلاف الفاعل، فإن فاعل الفعل المقدر ضمير الله تعالى، وفاعل هذا أهل الكتاب، وهو متعلق بمحذوف على الوجه الأول في {هُدًى وَمَوْعِظَةً} أي وآتيناه ليحكم الخ، وإنما لم يعطف لعدم صحة عطف العلة على الحال، ومنهم من جوز العطف بناءًا على أن الحال هنا في معنى العلة وهو ضعيف، وقدر بعضهم في الكلام على تقدير التعليل عليه متعلقًا بأنزل ليصح كونه علة لايتاء عيسى عليه الصلاة والسلام ما ذكر.
وعن أبي علي أنه قرأ وأن ليحكم على أن أن موصولة بالأمر كما في قولك: أمرته بأن قم، ومعنى الوصل أن أن تتم بما بعدها جزء كلام كالذي وأخواته، ووصل أن المصدرية بفعل الأمر مما تكرر القول به في «الكشاف»، وذكر فيه نقلًا عن سيبويه وقدر هنا أمرنا، كأنه قيل: وآتيناه الإنجيل وأمرنا بأن يحكم، وأورد على سيبويه ما دقق صاحب «الكشف» في الجواب عنه، وأتى بما يندفع به كثير من الأسئلة على أن المصدرية والتفسيرية. اهـ.

.قال الفخر:

قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفاسقون} اختلف المفسرون، فمنهم من جعل هذه الثلاثة، أعني قوله: «الكافرون الظالمون الفاسقون» صفات لموصوف واحد.
قال القفال: وليس في إفراد كل واحد من هذه الثلاثة بلفظ ما يوجب القدح في المعنى، بل هو كما يقال: من أطاع الله فهو المؤمن، من أطاع الله فهو البر، من أطاع الله فهو المتقي، لأن كل ذلك صفات مختلفة حاصلة لموصوف واحد.
وقال آخرون: الأول: في الجاحد، والثاني والثالث: في المقر التارك.
وقال الأصم: الأول والثاني: في اليهود، والثالث: في النصارى. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفاسقون} أي المتمردون الخارجون عن حكمه أو عن الإيمان، وقد مر تحقيقه، والجملة تذييل مقرر لمضمون الجملة السابقة ومؤكدة لوجوب الامتثال بالأمر، والآية تدل على أن الإنجيل مشتمل على الأحكام، وأن عيسى عليه السلام كان مستقلًا بالشرع مأمورًا بالعمل بما فيه من الأحكام قلت أو كثرت لا بما في التوراة خاصة، ويشهد لذلك أيضًا حديث البخاري: «أعطي أهل التوراة التوراة فعملوا بها وأهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به» وخالف في ذلك بعض الفضلاء، ففي «الملل والنحل» للشهرستاني: «جميع بني إسرائيل كانوا متعبدين بشريعة موسى عليه السلام مكلفين التزام أحكام التوراة والإنجيل النازل على المسيح عليه السلام لا يحتضن أحكامًا ولا يستبطن حلالًا وحرامًا، ولكنه رموز وأمثال ومواعظ وما سواها من الشرائع والأحكام محال على التوراة ولهذا لم تكن اليهود لتنقاد لعيسى عليه الصلاة والسلام»، وحمل المخالف هذه الآية على: وليحكموا بما أنزل الله تعالى فيه إيجاب العمل بأحكام التوراة، وهو خلاف الظاهر كتخصيص ما أنزل فيه نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال النسفي:

قال الشيخ أبو منصور رحمه الله: يجوز أن يحمل على الجحود في الثلاث فيكون كافرًا ظالمًا فاسقًا، لأن الفاسق المطلق والظالم المطلق هو الكافر.
وقيل: ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر بنعمة الله ظالم في حكمه فاسق في فعله. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)}.
التفسير: خاطب محمدًا صلى الله عليه وسلم بقوله: {يا أيها النبي} في مواضع ولم يخاطبه بقوله: {يا أيها الرسول} إلا هاهنا وفي قوله: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك} [المائدة: 67] ولا شك أنه خطاب تشريف وتعظيم شرف به في هذه السورة التي هي آخر السورة نزولًا حيث تحققت رسالته في الواقع. أما وجه النظم فهو أنه سبحانه لما بين بعض التكاليف والشرائع وكان قد علم مسارعة بعض الناس إلى الكفر فلا جرم صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحمل ذلك ووعده أن ينصره عليهم ويكفيه شرهم. والمراد بمسارعتهم في الكفر تهافتهم فيه وحرصهم عليه حتى إذا وجدوا فرصة لم يخطؤها. {آمنا بأفواههم} فيه تقديم وتأخير أي قالوا بأفواههم آمنا {سماعون للكذب} قابلون لما يفتعله أحبارهم من الكذب على الله وتحريف كتابه والطعن في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من قولك: الملك يسمع كلام فلان أي يقبله {سماعون لقوم آخرين لم يأتوك} أي قابلون من الأحبار ومن الذين لم يصلوا إلى مجلسك من شدة البغضاء وإفراط العداوة، ويحتمل أن يراد نفس السماع. واللام في {للكذب} لام التعليل أي يسمعون كلامك لكي يكذبوا عليك {يحرّفون الكلم} مبدلين ومغيرين سماعون لأجل قوم آخرين وجوههم عيونًا وجواسيس {من بعد مواضعه} أي التي وضعها الله فيها من أمكنة الحل والحظر والفرض والندب وغير ذلك، أو من وجوه الترتيب والنظم فيهملوها بغير مواضع بعد أن كانت ذات موضع {إن أوتيتم هذا} المحرّف المزال عن موضعه {فخذوه} واعلموا أنه الحق واعملوا به {وإن لم تؤتوه} وأفتاكم محمد صلى الله عليه وسلم بخلافه {فاحذروا} فهو الباطل.
عن البراء بن عازب قال: مُرّ على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم مجلود فقال: «هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم. فدعا رجلًا من علمائهم فقال صلى الله عليه وسلم: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى، هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا، ولولا أنك نشدتني لم أخبرك. نجد حد الزاني في كتابنا الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الوضيع أقمنا عليه الحد فقلنا: تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد مكان الرجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذا أماتوه به فرجم» فأنزل الله الآية إلى قوله: {إن أوتيتم هذا} يقولون ائتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فحذوا به، إن أفتاكم بالرجم فاحذروا. وفي رواية أخرى أن شريفًا من خيبر زنى بشريفة وهما محصنان وحدهما الرجم في التوراة، فكرهوا رجمهما لشرفهما فبعثوا رهطًا منهم إلى بني قريظة ليسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقالوا: إن أمركم محمد صلى الله عليه وسلم بالجلد والتحميم فاقبلوا، وإن أمركم بالرجم فلا تقبلوا وأرسلوا الزانيين معهم، فأمرهم بالرجم فأبوا أن يأخذوا به فقال له جبريل عليه السلام: اجعل بينك وبينهم ابن صوريا فقال: هل تعرفون شابًا أمرد أبيض أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا؟ قالوا. نعم وهو أعلم يهودي على وجه الأرض ورضوا به حكمًا. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنشدك الله الذي لا إله إلاّ هو الذي فلق البحر لموسى ورفع فوقكم الطور وأنجاكم وأغرق آل فرعون. والذي أنزل عليكم كتابه وحلاله وحرامه، هل تجدون فيه الرجم على من أحصن؟ قال: نعم. فوثب عليه سفلة اليهود فقال: خفت إن كذبته أن ينزل علينا العذاب. ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء كان يعرفها من أعلامه فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنك رسول الله النبي الأمي العربي الذي بشر به المرسلون. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزانيين فرجما عند باب مسجده. قال العلماء القائلون برجم الثيب الذمي ومنهم الشافعي: إن كان الأمر برجم الثيب الذمي من دين الرسول صلى الله عليه وسلم فهو المقصود، وإن كان مما ثبت في شريعة موسى عليه السلام فالأصل بقاؤه إلى طريان الناسخ، ولم يوجد في شرعنا ما يدل على نسخه، وبهذا الطريق أجمع العلماء على أن قوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} حكمه باق في شرعنا {ومن يرد الله فتنته} ظاهر الآية أن المراد بالفتنة أنواع الكفر التي حكاها عن اليهود وغيرهم.